“المظاهر اللغوية للحجاج: مدخل إلى الحجاجيات اللسانية”، هو عنوان أحدث المؤلفات المُخصّصة لعلوم الحجاج، ألفه الباحث المغربي رشيد الراضي، وقد صدر العمل مؤخراً عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث (الرباط) والمركز الثقافي العربي (بيروت – الدار البيضاء)، وجاء في 271 صفحة من الحجم المتوسط، الطبعة الأولى 2014.
ومعلوم أن التصور الذي جاءت به الخطابة الجديدة، يُجسد ثورة حقيقية في فهم العلاقة بين الإنسان والعالم، وخطوة متقدمة في الكشف عن حقيقة التفاعل الذي يحدث بين الذوات المتواصلة عموماً، والمتفاعلة حجاجياً على وجه الخصوص، إلا أنه لم يصل مع ذلك إلى حد الوفاء بطموح ديكرو وأنسكومبر في ما يخص طبيعة العلاقة بين الوقائع والخطاب في سيرورة التفاعل الحجاجي، لأنهما سيعلنان أن الأمر لا يقف عند حدود علاقة ما.
وبالتالي، فالبحث الفعلي في الحجاج بصورته التي تنعكس وتنطبع في الصياغة اللسانية للوقائع يكشف عن حقيقة أعمق من ذلك بكثير، وهي أن التمايز بين هذه الوقائع وصياغاتها اللسانية غير موجود أصلاً، لأن اللغة في مجملها ليست سوى ترجمة للوقائع في سياق حركية حجاجية متصلة، أو بعبارة أخرى تحويل حجاجي للوقائع.
في هذا السياق، إذن، يحاول هذا الكتاب أن يقدم صورة كلية عن أهم قضايا هذا التوجه، محاولاً ما أمكن الجمع بين المنحى التأريخي في عرض سيرورة انبثاق ونمو هذه الأفكار وارتقائها عبر ما يزيد عن ثلاثة عقود، والتناول النسقي في عرض أهم المسائل والأطروحات التي دافع عنها رواده.
وجاء العمل في صورة تجميع وتنسيق للخلاصات والتقييدات والفوائد التي كنا نعلقها على نصوص هذه المدرسة، فأحببنا أن نشرك معنا القارئ في النهل من معينها والإفادة مما صح منها، والإسهام في التداول حول ما قد يكون مثار نقاش وحوار، جرياً على عادة درج العمل بها في الثقافة الغربية، ولا يزال حضورها ضعيفاً في ثقافتنا العربية، وتتمثل في الكتابة المدخلية التي يكون الغرض منها تقريب المعارف والأفكار، باعتبار ذلك مقدمة ضرورية لفتح آفاق الخلق والإبداع.
جاء الكتاب موزعا على مقدمة وثلاثة فصول، كانت عناوينها كالتالي: المبادئ النظرية والمنهجية للحجاجيات اللسانية؛ مظاهر الحجاج داخل اللغة؛ مراجعات وتجديدات.